الإِسفار
عمَّا نَسَخَهُ
الإمام النَّووي بخطِّه من الكُتب والأَسفار
بقلم: عبد الله بن محمَّد سعيد الحُسيني
الحمد لله،
وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فمن
الجوانب الدَّقيقة التي تُساق كثيرًا في كُتب التَّراجم: عنايةُ المترجَم له بنَسخ
الأجزاء والكتب، سواء لنفسه أو لغيره، وأحيانًا بيان مدى ضبطه وإتقانه فيه ووصْف
خطِّه؛ وذلك من باب التَّعريف بشخصيَّته، وإثراء ترجمته، والإشارة إلى شغفه بالعلم
وحرصه على نشره ومنزلته بين العلماء.
وقد يسَّر
الله تعالى الوقوف على أسماء عددٍ من كُتب أهل العلم التي نَسَخَها الإمام محيي
الدِّين أبو زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي الدِّمشقي (المتوفَّى 676هـ)
رحمه الله تعالى بخطِّ يده، وقابلها بأصولها، فأحببتُ أن أسردها نشرًا للفائدة،
وجمعًا للشَّاردة، مع أملٍ كبيرٍ أن يمنَّ الله عزَّ وجلَّ علينا باكتشاف المزيد
منها مستقبلًا بإذنه سبحانه وتعالى.
1-«الإِبانة عن أصول الدِّيانة« لأبي الحسن الأشعري (المتوفى 324هـ):
قال ابن
تيميَّة (المتوفى 728هـ) [1]:
«وقد نَقَلَهُ بخطِّه أبو زكريَّا النَّووي« ا.هـ.
وقال
الذَّهبي (المتوفى 748هـ) [2]:
«و(كتابُ الإِبانة) من أشهر تصانيف أبي الحسن، شهَّرَهُ
الحافظ ابن عساكر، واعتَمَدَ عليه، ونَسَخَهُ بخطِّه الإمام محيي الدِّين
النَّواوي رحمه الله« ا.هـ.
2-«التَّنبيه« في الفقه الشَّافعي لأبي إسحاق الشِّيرازي
(المتوفى 476هـ) :
قال
التَّقي السُّبْكِي (المتوفى 756هـ) [3]:
«لكنِّي رأيتُ في نسخةٍ من (التَّنبيه) بخطِّ النَّووي
.. «ا.هـ.
3-«الأنساب« لأبي سعد السَّمعاني (المتوفى 562هـ):
قال عبد
القادر بن أبي الوفاء القرشي (المتوفى 775 هـ) – بعد أن ذَكَرَ أنَّ ضبط لقب
(الخيني) بكسر الخاء- [4]:
4-«ذم الوسواس وأهله« للموفَّق ابن قُدامة المقدسي (المتوفى 620هـ):
قال الإمام النَّووي [5]:
«تمَّ الجزء بحمد الله وفضله، الحمد لله ربِّ العالمين حقَّ
حمده، وصلواته وسلامه على سيِّدنا محمَّد خير خلقه، وعلى آله.
فرغتُ من كتابتِهِ: يوم الاثنين الرَّابع والعشرين من
شهر ربيع الأوَّل سنة إحدى وستِّين وستمائة.
كَتبتُهُ من نُسخة الأصل التي سمعناها، وقابلتُهُ أيضًا
عليها، وهي مسموعةٌ على المصنِّف رحمه الله« ا.هـ.
5-«فتاوى الإمام ابن الصَّلاح« (المتوفى 643هـ):
قال
البرهان إبراهيم بن عبد الرَّحمن ابن
الفِركاح الفَزَارِي (المتوفى 729هـ) [6]:
«قابلتُ هذه النُّسخة على نُسخةٍ
اشتُهِر أنَّها بخطِّ: الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، شيخ الإسلام، محيي الدِّين
النَّووي رحمه الله، وهي نسخةٌ معتمدةٌ مصحَّحةٌ.
واجتهدتُ في مقابلة هذه النُّسخة،
وتصحيحها، وإصلاحها بحسب الإمكان، وحضر المقابلة نسختان أخريان، والله المسؤول أن
ينفع بها«
ا.هـ.
6-«مختصر البسملة« لأبي شامة المقدسي
(المتوفى 665هـ):
قال الإمام
النَّووي [7]:
«فرغتُ من كتابتِهِ: يوم الثُّلاثاء العاشر من شوَّال سنة اثنتين وستِّين
وستّمائة.
سمعتُهُ بقراءتي على مُصنِّفه.
كَتَبَهُ: يحيى بن شرف النَّواوي عفا الله عنه« ا.هـ.
تنبيه:
جاء في صفحة عنوان نسخةٍ خطِّيَّةٍ لكتاب «أسماء الضُّعفاء والوضَّاعين
وذكر من جرحهم من الأئمَّة الكبار الحافظين« لابن الجَوزي (المتوفى 597هـ)
ما نصُّه [8]:
«أظنُّه بخطِّ الشَّيخ محيي الدِّين النَّواوي رحمه الله في أوَّل طلبه
ظنًّا قويًّا« ا.هـ.
وهذا الظَّنُّ المذكور ليس بصحيحٍ إطلاقًا [9]، فقد أفاد فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد بن عبد الله
السّريّع أنَّ هذه النُّسخة إنَّما هي بخطِّ: محمود بن أبي القاسم بن بدران الدَّشْتِي
(المتوفى 665هـ)، وذلك من خلال المقارنة والقياس مع قرائن أخرى، وستجد تفصيل ذلك في
تحقيقٍ جديدٍ للكتاب سيصدره أحد الفضلاء قريبًا بإذن الله تعالى.
***
وتظهر ممَّا تقدَّم جملة من عاداته النَّبيلة في منسوخاته، أوجزها فيما يلي:
1-أنَّه
كان ينسخ في عدَّة فنون؛ كالعقيدة، والفقه، والحديث، والفتاوى، والأنساب، ولا
يقتصر على فنٍّ واحد، وكان لهذا أبلغ الأثر في تراثه.
2-أنَّه
كان يتحرَّى أن تكون منسوخاته مُتقنة مُصحَّحة مقابلة على أصول نفيسة معتمدة ممَّا
جعلها محلَّ احتفاء ومرجعيَّة علميَّة.
3-أنَّه
كان يلتزم بكتابة قيد الفراغ منها بتفاصيله الأساسيَّة.
4-أنَّه
كان يعتني أحيانًا بنسخ مصنَّفات وآثار شيوخه أو شيوخ شيوخه؛ للانتفاع بها، ورغبةً
في نشرها، وبرًّا بأهلها.
5-أنَّه
كان يحرص أحيانًا على سماعه لها على أحد شيوخه سواء بقراءته أو بقراءة غيره حتَّى
يتَّصل سنده إليها ممَّا صيَّرها غاية في الضَّبط والإتقان.
والحمد لله ربِّ العالمين.
[1] «مجموع الفتاوى« (3/224).
[2] «العُلو للعلي العظيم« (ص 219).
(كتاب
العلو) للذَّهبي بخطِّ ابن ناصر الدِّين الدِّمشقي (المتوفى 842هـ)، مكتبة
تشستربيتي، رقم (3302) [99/أ]
[3] هكذا نَقَلَهُ أبو زرعة ابن العراقي (المتوفى 826هـ) في «تحرير الفتاوي على التَّنبيه والمنهاج والحاوي« (2/296) عن التَّقي السُّبكي من كتابه «الابتهاج في شرح المنهاج«، ومن فوائد هذا النَّقل أنَّه أَثبَتَ عبارة «في نسخةٍ من التَّنبيه«، بينما سَقَطَت من بعض النُّسخ الخطِّيَّة لكتاب «الابتهاج« التي اطَّلعتُ عليها.
(تحرير
الفتاوي) بخطِّ تلميذ المصنِّف قابلها على نسخته، مكتبة علي باشا حكيم أوغلو، رقم
(399) [188/ب]
[4]
«الجواهر المضيَّة في طبقات الحنفيَّة« (4/199)، وقد
أفادني به مشكورًا مأجورًا فضيلة الشَّيخ علي الصَّمعاني، واقتصار عبد القادر
القرشي على ذِكر رؤيته لنسخةٍ قابلها الإمام النَّووي على أصل المصنِّف لا ينفي أنَّه
هو النَّاسخ لها أيضًا؛ إذ لو كان غيره لسمَّاه، ويظهر أنَّه أراد الإشارة إلى
أصله النَّفيس الذي نسخ منه واعتمده وقابل عليه، كما في الأرقام (4) و(5) و(6)، وقد
وجدناه يجمع هنا بين النَّسخ والمقابلة، ولم نقف على مجرَّد اكتفائه بمقابلة كتابٍ
دون نَسخه، كما أنَّ إحالاته الكثيرة على الكتاب وإفادته المتكرِّرة منه تعزِّز
ذلك.
(الجواهر المضية)، مقروءة على المصنِّف، مكتبة بلدية
الإسكندرية، رقم (7263/1320 ب) [245/ب]
[5] سمعه على الشَّيخ أبي محمَّد
أبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد ابن محمَّد بن
قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682هـ)، بروايته له عن المصنِّف، وقد أفادني
بهذه الوثيقة مشكورًا
مأجورًا محقِّق الجزء فضيلة الشَّيخ حسن بن داود بو قليل.
(ذم الوسواس وأهله)، المكتبة
الوطنيَّة بتونس، رقم (18408)
[6] ورد
ذلك في آخر النُّسخة الخطِّيَّة لـ «فتاوى ابن الصَّلاح« المحفوظة في مكتبة تشستربيتي، رقم (3326) [94/أ]، بخطِّ: نظام
الدِّين محمَّد بن عبد العزيز بن محمَّد الحنفي التي فرغ منها: يوم الخميس 11 من
شهر شوال سنة 790هـ، وقد قابلها على نسخة البرهان الفَزَاري التي قُوبلت على نسخة
الإمام النَّووي بخطِّه، فقال مبيِّنًا ذلك: «في آخر النُّسخة المنتسخة هذه منها
بخطِّ الشَّيخ الإمام العالم برهان الدِّين أبي إسحاق إبراهيم بن الشَّيخ الإمام
العالم تاج الدِّين عبد الرَّحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفَزَاري الدِّمشقي
رحمه الله ما نصُّه«
فساق الكلام أعلاه، علمًا أنَّ هذه الفتاوى التي نسخها الإمام النَّووي هي من جمع
وترتيب شيخه كمال الدِّين إسحاق بن أحمد المغربي (المتوفى 650هـ) تلميذ ابن
الصَّلاح.
[7] ورد
ذلك في آخر النُّسخة الخطِّيَّة لـ «مختصر كتاب البسملة« المحفوظة في مكتبة تشستربيتي، رقم (3307) [408/أ]، بخطِّ:
علي بن أيُّوب بن منصور المقدسي (المتوفى 748هـ) التي فرغ منها: يوم الثلاثاء 18
من شهر ربيع الأول سنة 701هـ بكلاسة جامع دمشق، وقد قابلها على نسخة الإمام
النَّووي بخطِّه، فقال مبيِّنًا ذلك: «شاهدتُ في آخره ما مثاله« فساق الكلام أعلاه، ثمَّ قال: «نَقَلَهُ من
خطِّه رحمه الله تبرُّكًا لنفسه: علي بن أيُّوب بن منصور المقدسي الشَّافعي وفَّقه
الله« ا.هـ، وقد أفادني بهذه الوثيقة
مشكورًا مأجورًا
فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد بن يوسف الجوراني.
[8] المكتبة الظاهرية، رقم (1154)-علم الحديث [1/أ]، وقد أفادني
بهذه الوثيقة مشكورًا مأجورًا فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد بن عبد الله السّريّع.
[9] يكفي لإثبات ذلك أن تقارن بين الوثيقة الأُولى من «ضعفاء ابن الجوزي« ووثيقة قيد السَّماع التي بأسفلها بخطِّ الدَّشْتِي لتلاحظ أوجه التَّطابق التَّام بينهما وأنَّهما
ترجعان للكاتب نفسه دُون أدنى ريبة.
(جزء فيه ذكر أبي القاسم الطبراني وبعض مناقبه ومولده ووفاته) لابن منده، مكتبة أسعد أفندي، رقم (2431) [15/ب]