الخميس، 30 يونيو 2016

نيل المعالي في أرجى اللَّيالي

نيل المعالي في أرجى اللَّيالي
بقلم : عبد الله الحسيني
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن بهديهم اقتفى، وبعد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم (1) إلى أنَّ ليلة سبع وعشرين هي أرجى اللَّيالي وآكدها وأقربها التي تُطلب فيها ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
وقد دلَّت أكثر الأحاديث والآثار والقرائن على ذلك:

1) فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ)، وقال: (تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ) يعني: ليلة القدر. (2)

2) وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فقال: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلِيلٌ، يَشُقُّ عَلَيَّ الْقِيَامُ، فَأْمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنِي فِيهَا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ). (3) أي: لسبع مضين بعد العشرين.

3) وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال: (لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ سَبعٍ وَعِشرِين). (4)

وفي لفظ: (الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ). (5)

4) وعن جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ). (6)
5) وقد خصَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم هذه اللَّيلة بمزيدٍ من الاجتهاد ما لم يخصَّ غيرها، وحثَّ الناس عليها، ودعا أهله وبناته ونساءه ليلتها خاصَّة، وقام بهم إلى آخر اللَّيل حتى خشوا فوات السُّحور.
فعن جبير بن نفير عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال : صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا مِنَ الشَّهْرِ شَيْئًا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ، وَقَامَ بِنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ)، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا السَّادِسَةَ، وَقَامَ بِنَا السَّابِعَةَ، وَبَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ-وفي لفظ لأبي داود: جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ، وفي لفظ للنَّسائي: أَرْسَلَ إِلَى بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ، وَحَشَدَ النَّاسَ-، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. (7)
وعن نُعَيْمُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْمَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه، يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ حِمْصَ: (قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ بِنَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَا نُدْرِكَ الْفَلَاحَ)، قَالَ: (وَكُنَّا نَدْعُو السُّحُورَ الْفَلَاحَ، فَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: لَيْلَةُ السَّابِعَةِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ السَّابِعَةُ، فَمَنْ أَصَوْبُ نَحْنُ، أَوْ أَنْتُمْ). (8)
6) وعن التَّابعي المُخضرم زِرٍّ بن حُبَيش عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنَّه كان يقول: (وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، وَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا). (9)
7) وعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أيضًا قَالَ: (لَوْلَا سُفَهَاؤُكُمْ لَوَضَعْتُ يَدَيَّ فِي أُذُنَيَّ، فَنَادَيْتُ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، نَبَأُ مَنْ لَمْ يَكْذِبْنِي عَنْ نَبَأِ مَنْ لَمْ يَكْذِبْهُ) يَعْنِي: أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، عَنِ النَبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. (10)
8) وسُئل زِر بن حُبَيش عن ليلة القدر فقال: (كَانَ عُمَرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ تَبْقَى ثَلَاثٌ) . (11)
فائدة: قال الإمام ابن رجب الحنبلي (المتوفى 795 هـ) في (لطائف المعارف) (ص 368):
(قد كان النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يتهجَّدُ في ليالي رمضان، ويقرأُ قراءةً مرتَّلةً، لا يمرُّ بآيةٍ فيها رحمةٌ إلا سألَ ، ولا بآيةٍ فيها عذابٌ إلا تعوَّذَ ، فيجمعُ بين الصَّلاة ، والقراءة ، والدُّعاء ، والتَّفكر ، وهذا أفضلُ الأعمال وأكملُها في ليال العشر وغيرها).
نسخة خطِّيَّة لكتاب (لطائف المعارف) بخطِّ العالم علاء الدِّين المَرداوي (المتوفى 885 هـ)

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يوفِّقنا جميعًا لإدراك فضائل ليلة القدر، وأن يجعلنا ممَّن قامها إيمانًا واحتسابًا.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

_________________________
(1) قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (20/134): (والذي عليه المُعظَم أنَّها ليلة سبع وعشرين) ا.هـ، وقال ابن رجب في لطائف المعارف  (ص 360): (وهو قول أحمد، وإسحاق) ا.هـ، ثم توسَّع (ص 360-367) في سرد الأدلة والقرائن المرجحة له، وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (4/264-265) وهو يعدِّد الأقوال في ليلة القدر: (القول الحادي والعشرون: أنها ليلة سبع وعشرون، وهو الجادة من مذهب أحمد، ورواية عن أبي حنيفة، وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه .. وحكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء .. وقال صاحب الكافي من الحنفية وكذا المحيط: من قال لزوجته أنت طالق ليلة القدر طلقت ليلة سبع وعشرين؛ لأن العامة تعتقد أنها ليلة القدر)، ثم قال (4/266): (وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين) ا.هـ، وقال العيني في شرح سنن أبي داود (5/290): (هذا باب في بيان قول من قال: إنها في سبع وعشرين، وهو قول الجمهور) ا.هـ، وقال في عمدة القاري (11/132): (والذاهبون إلى سبع وعشرين هم الأكثرون) ا.هـ، وقال المرداوي في الإنصاف (7/553-554): (قوله: وأرجاها ليلة سبع وعشرين. هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب) ا.هـ، وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (35/364): (الأشهر والأظهر عند المالكية أنها ليلة السابع والعشرين، وبهذا يقول الحنابلة) ا.هـ، انظر: الميسر في شرح مصابيح السنة (2/481)، والكاشف عن حقائق السنن (5/1621)، والكواكب الدراري (9/161)، واللامع الصبيح (6/490)، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص 360-367)، ومنح الجليل (2/182)، والنجم الوهاج (3/371)، ومغني المحتاج (2/189)، وكشاف القناع (2/345)، وقال الألباني من المعاصرين في قيام رمضان (ص 19) حول تحديد ليلة القدر: (وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث) ا.هـ.
(2) رواه أحمد في المسند (4808)، وقال الولي العراقي في شرح الصدر (ص 43): (بإسناد على شرط الشَّيخين)،  وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (4/407)، والألباني في صحيح الجامع (2920)، وصحَّحه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (8/426) على شرط الشَّيخين.
(3) رواه أحمد في المسند (2149)، والبيهقي في السنن الكبرى (8557)، كتاب الصيام، باب الترغيب في طلبها ليلة سبع وعشرين، وصحَّحه ابن عبد البر في التمهيد (21/121-213)، وقال ابن رجب في اللطائف (ص 360): (إسناده على شرط البخاري)، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (2/545)، وصحَّحه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (4/50) على شرط البخاري.
(4) رواه أبو داود في السنن (1386)، وابن حبان في الصحيح (3680)، وصحَّحه ابن عبد البر في التمهيد (2/205) والاستذكار (3/412)، والنَّووي في المجموع (6/468)، والألباني في صحيح الجامع (5474)، وصحَّحه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان (8/437) على شرط الشَّيخين.
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير (814)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (1240).
(6) رواه الطبراني في المعجم الصغير (285)، وقال الولي العراقي في شرح الصدر (ص 43): (بإسناد لا بأس به)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود (2/535).
(7) رواه أحمد في المسند (21447)، وأبو داود في السنن (1375) ، والترمذي في السنن (806) ، وقال : (حديث حسن صحيح) ، والنسائي في السنن (1364) و(1605) و(1606) ، وابن ماجه في السنن (1327) ، وابن خزيمة في الصحيح (2206)، وابن حبان في الصحيح (2547)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (1615)، وصحَّحه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (352/35) على شرط مسلم، قال ابن رجب في لطائف المعارف  (ص 363): (ولا خلاف أنها آكد من الخامس والعشرين، ومما يدلُّ على ذلك أيضًا حديث أبي ذر في قيام النبي صلى الله عليه وسلم بهم في أفراد السبع الأواخر، وأنه قام بهم في الثالثة والعشرين إلى ثلث الليل، وفي الخامسة إلى نصف الليل، وفي السابعة إلى آخر الليل حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح، وجمع أهله ليلتئذ، وجمع الناس، وهذا كلُّه يدل على تأكُّدها على سائر أفراد السَّبع والعشر) ا.هـ، وقال الألباني في قيام رمضان (ص 20): (يعني: ليلة سبع وعشرين، وهي ليلة القدر على الأرجح كما سبق، ولذلك جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم أهله ونساءه، ففيه استحباب حضور النساء هذه الليلة) ا.هـ.
(8) رواه أحمد في المسند (18402)، والنسائي في السنن (1606)، وابن خزيمة في الصحيح (2204)، وحسَّنه النَّووي في خلاصة الأحكام (1/576)، وصحَّحه الألباني في صلاة التراويح (ص 10)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (30/351).
(9) رواه مسلم في الصحيح (762)، قال التوربشتي في الميسر في شرح مصابيح السنة (2/482): (وإنَّما نميل إلى هذا القول؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم هم الأمناء في سائر ما حدَّثوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد التنزيل بصدقهم وعدالتهم، وبأن الله سبحانه وتعالى ارتضاهم لهذا الدِّين، فلا يجوز لنا أن نظن بهم أن يحلفوا على القطع بما لم يعلموا، فضلًا عن الحكم به) ا.هـ.
(10) رواه أبو داود الطيالسي في المسند (544)، والنسائي في السنن الكبرى (11626)، وابن الجارود في المنتقى (406)، وابن خزيمة في الصحيح (2187)، وحسَّنه الحويني وغيره.
(11) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2/250) بسند حسن.