الاثنين، 30 أغسطس 2021

تبيينُ الأَمْر في الجواب عمَّا أُشكل في حديث: (رأسُ الأَمْر)

تبيينُ الأَمْر في الجواب عمَّا أُشكل في حديث: (رأسُ الأَمْر)

بقلم: عبد الله بن محمَّد سعيد الحُسيني

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعدُ:

فقد ذَكَرَ شيخُ الإسلام محيي الدِّين أبو زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي (المتوفَّى 676 هـ) -تغمَّده الله تعالى بواسع رحمته- في مصنَّفاته: (بُستان العارفين)، و(الأذكار)، و(الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام)، و(رياض الصَّالحين) حديثَ الصَّحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه بلفظ: (أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُوِدِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ الجِهَادُ)، واكتَفَى بعزوه إلى (سُنن الإمام التِّرمذي).




بستان العارفين، مكتبة راشد أفندي، رقم (348) [17/ب-18/أ]

الأذكار، مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524) [193/ب-194/أ]، [239/ب-240/أ]

الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام، مكتبة المسجد الأقصى، رقم (62) (ف 95) [31]

الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام، المكتبة اليعقوبيَّة العبَّاسيَّة، (ص 199)

رياض الصالحين، مكتبة آيا صوفيا، رقم (1835) [210/ب]

مع أنَّ لفظ الحديث في النُّسخ التي بين أيدينا من (سُنن الإمام التِّرمذي) -في أبواب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصَّلاة، رقم (2616)- هكذا:

(أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُوِدِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ).

سنن التِّرمذي، مكتبة كوبريلي، رقم (295) [95]

وظاهرُ هذا اللَّفظ أنَّ ما تحته خطّ سَقَطَ من الإمام النَّووي.

والجواب عن ذلك من عدَّة وجوه:

الوجه الأوَّل: أنَّه تَبِعَ الإمامَ تقي الدِّين أبا عَمرو عثمان بن عبد الرَّحمن ابن الصَّلاح (المتوفَّى 643 هـ) في ذِكر لفظ الحديث وتخريجه كما في (مجلس الأحاديث الكُلِّيَّة)، ويظهرُ ذلك جليًّا من خلال تتبُّع (26) حديثًا التي نَقَلَها لفظًا وتخريجًا وحُكمًا باختصار عنه في (بُستان العارفين) (ص 76-90) ومقارنتها بأحاديث (الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام).

وأشار الإمام سراج الدِّين أبو حفص عمر بن علي ابن الملقِّن (المتوفَّى 804هـ) إلى هذا الوجه، فقال في (المعين على تفهُّم الأربعين) (ص 345-346):

(وكأنَّه قَلَّدَ في ذلك: الشَّيخ تقي الدِّين ابن الصَّلاح، فإنَّه قال في كتابه: "بُستان العارفين" -ولم يُكمله-: "ممَّا ينبغي أن يُعْتنَى به بيان الأحاديث التي قيل أنَّها أصول الإسلام، أو أصول الدِّين، أو عليها مدار الإسلام، أو مدار الفقه، أو العلم، وقد اختلفت العلماء في عددها اختلافًا كبيرًا، وقد اجتَهدَ في جمعها وتبيينها: ابن الصَّلاح، ولا مزيد على تحقيقه"، فَذَكَرَها إلى أن جاء إلى هذا الحديث، فذكرَهُ بالإسقاط المذكور سواء، فاستفدهُ، فإنَّه يُساوِي رُحلَة، والعجبُ أنَّ أحدًا من شرَّاحه، كابن فرح القرطبي، والفاكهي، وغيرهما، لم يُنبِّهوا عليه، ولله الحمد عليه وعلى جميع نعمه) ا.هـ.

بستان العارفين، مكتبة راشد أفندي، رقم (348) [15/ب]، [18/ب]

الوجه الثَّاني: أنَّ الإمامَين ابن الصَّلاح والنَّووي أَثْبَتَا هُنا لفظ (سُنن الإمام ابن ماجه) -في أبواب الفتن، باب كفِّ اللِّسان في الغيبة، رقم (3973)-، واكتفَيَا بعزوه إلى (سُنن الإمام التِّرمذي) حتَّى يَنقلَا تصحيحه للحديث، وفاتَهُمَا العزو إلى الأوَّل أو يُحتمل سقوطه، خصوصًا أنَّ الإسناد في سُننهما واحدٌ من أوَّله إلى آخره.

وأشار الإمام ابن الملقِّن أيضًا إلى وجه قريب من هذا، فقال في (المعين على تفهُّم الأربعين) (ص 346):

(ثمَّ رأيتُ بعد ذلك "سُنن ابن ماجه"، فوجدتُهُ ذَكَرَهُ كما ذَكَرَهُ المصنِّف سواءً، لكنَّه لم يعزه إليه حتَّى يُعتذَر عنه) ا.هـ.

سنن الإمام ابن ماجه، دار الكتب المصريَّة، الخزانة التيمورية - الحديث، رقم (522) المجلَّد الثَّاني [335]

وهذه النُّسخة من مسموعات النَّووي وعليها تصحيح بخطِّ شيخه الشَّمس ابن أبي عمر المقدسي سنة 662 هـ

الوجه الثَّالث: أنَّ الإمامَين ابن الصَّلاح والنَّووي اختَارَا لفظ (سُنن الإمام ابن ماجه)؛ لأنَّه أنسب لمضمون الأحاديث الكُلِّيَّة الجوامع التي عليها مدار الإسلام وذلك بصورة أعم وأشمل، فقد قَرَنَ اللهُ تعالى الجهاد -بمعناه الواسع- بالهداية، فقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]، أي: أنَّ مَن بَذَلَ جهده ووسعه في امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه -ويدخل فيه: جهاد النَّفس والأعداء- فقد هُدِيَ إلى طريق الجنَّة وسَلِمَ من النَّار، وبهذا يتحقَّق مقصود السَّائل عمَّا يُدخله الجنَّة ويُباعده من النَّار.

وأشار الإمام نجم الدِّين سُليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطُّوفي (المتوفَّى 716 هـ) إلى هذا الوجه، فقال في (التَّعيين في شرح الأربعين) (ص 223) [1]:

(قوله: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ" إلى آخره؛ لأنَّ الجهاد مقرونٌ بالهداية، بدليل قوله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]، والهداية محصلة لمقصود هذا السَّائل، إذ يلزمها: دخول الجنَّة، والمباعدة عن النار، فلا جرم كان الجهاد رأس أمر السَّائل، وعموده، وذروة سنامه)ا.هـ.

الوجه الرَّابع: أنَّ الإمامَين ابن الصَّلاح والنَّووي ذَكَرَا هذا اللَّفظ من رواية أو نسخة مُعتمدة أُخرى لـ: (سُنن الإمام التِّرمذي) غير الرِّواية أو النُّسخة المشهورة المتداولة، حيث صرَّح الإمام النَّووي في عدَّة مواضع من مصنَّفاته المختلفة باختلاف نُسَخِها والحُكمِ على الأحاديث فيها، فاستفاد من نُسَخها المعتمدة ونَقَل وأفاد، وحذَّر من سقيمها فأحسَن وأجاد.

 

الأذكار، مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524) [233/ب]، [240/أ]

***

وهناك وجوهٌ أخرى أراها مُستبعدة، وبعضها أشدّ بُعدًا من بعض، منها:

الوجه الأوَّل: وجود سَقْط في نسخة الإمام النَّووي من (سُنن الإمام التِّرمذي).

وأشار الإمام زين الدِّين أبو الفضل عبد الرَّحيم بن الحسين بن عبد الرَّحمن العِرَاقي (المتوفَّى 806 هـ) إلى هذا الوجه، فقال في (أماليه) -نقله عنه تلميذه الإمام البوصيري (المتوفَّى 840 هـ) في حاشيته على (الأربعين)-:

(سَقَطَ من الأربعين للشَّيخ محيي الدِّين النَّووي من قوله: "وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ"، وكذا سَقَطَ من "الأذكار"، وسببُ ذلك: سقوطُهُ من نُسختِهِ من التِّرمذي، والله أعلم)ا.هـ.

الأربعين النَّووية، حاشية بخط البوصيري، مكتبة راغب باشا، رقم (1470) [252/ب]

وهذا الوجه كان يمكن التَّسليم به فيما لو كانت لدى الإمام النَّووي نسخة واحدة من (سُنن الإمام التِّرمذي)، لكن الذي يظهر جليًّا من صنيعه في عدَّة مواضع من مصنَّفاته المختلفة أنَّه اطَّلع على أكثر من نُسخة، وميَّز بينها، ورجَّح بين الأصول المعتمدة منها من غير المعتمدة، ممَّا يجعلنا نستبعده.

الوجه الثَّاني: أنَّ السَّقط كأنَّما كان بسبب انتقال نَظَر الإمام النَّووي من موضع لآخر، فسَقَطَ منه سطر.

وأشارَ الإمام ابن الملقِّن إلى هذا الوجه، فقال في (المعين على تفهُّم الأربعين) (ص 345):

(هذا الحديث سَقَطَ منه سطرٌ، لا يستقيمُ الكلام بدونه، وهو ثابتٌ في أصل التِّرمذي،كأنَّ المصنِّفَ انتَقَلَ نَظَرُهُ مِن لفظة إلى أُخرى، وهذا لفظُهُ فيه: "ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "رَأْسُ الأَمْرِ: الإسلامُ، وَعَمُودُهُ: الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ: الجِهادُ"، ثُمَّ ذَكَرَ البَاقِي، ولا يستقيمُ الكلام بدون هذه الزِّيادة، فانتَقَلَ نَظَرُهُ من "سنامه" إلى "سنامه"، وقد وَقَعَ له كذلك في كتابه: الأذكار) ا.هـ.

وهذا الوجه كان يمكن التَّسليم به أيضًا لو لم يقع منه إلَّا في هذا الموضع، لكنَّه ذَكَره بالسِّياق نفسه في أربعة مواضع أُخرى من مصنَّفاته المختلفة -كما تقدَّم-خلال سنوات متفرِّقة، وهي كالتَّالي: (بُستان العارفين) -في موضع- الذي بدأ فيه: سنة 665هـ، و(الأذكار) -في موضعَين- الذي فرغ منه: سنة 667 هـ، و(رياض الصَّالحين) -في موضع- الذي فرغ منه: سنة 670 هـ، كما أنَّ الكتب الثَّلاثة الأخيرة قُرئت عليه مرارًا، وقُوبلت نُسَخها على نُسخته تكرارًا، وسياق الحديث في جميعها واحدٌ، ممَّا يجعلنا نستبعده كذلك، وأمَّا ما ذَكَرَهُ عن عدم استقامة الكلام بدون الزِّيادة، فقد تقدَّم الجواب عنه في الوجه الثَّالث.

الوجه الثَّالث: وَقَعَ ذِكر السَّقط في بعض نُسخ (الأربعين)، فيُحتمل أنَّ الإمام النَّووي أَلْحَقَهُ بعد ذلك، ولم ينتبه النُّسَّاخ لذلك، فأسقطوه، أو ألحَقَهُ بعض تلامذته أو غيرهم.

وأشارَ الإمام شهاب الدِّين أبو العبَّاس أحمد بن محمَّد ابن حجر الهَيْتَمِي (المتوفَّى 974 هـ) إلى هذا الوجه، فقال في (الفتح المبين بشرح الأربعين) (ص 486) [2]:

(ويَقَعُ في بعض نُسخ المتن ذِكر ذلك الإسقاط، فيُحتمل أنَّ المصنِّف تنبَّه له بعدُ فأَلحَقَهُ، ويُحتمل أنَّه مِن فِعل بعض تلامذته أو غيرهم) ا.هـ.

وهذا الوجه مردودٌ قطعًا؛ لأنَّ الإمام النَّووي ذَكَره بالسِّياق نفسه في أربعة مواضع أخرى -كما تقدَّم-، وَوَرَدَ كذلك في النُّسخ الخطِّيَّة النَّفيسة لهذه المصنَّفات المقروءة على الإمام علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم ابن العطَّار (المتوفَّى 724هـ) -راوية كتب الإمام النَّووي الملقَّب بالنَّواوي الصَّغير أو مختصَر النَّووي أو المختصَر- والمنقولة والمقابلة على نسخته، عن نسخة شيخه المصنِّف، والتي قرأها هو أو سمعها عليه وفق التَّواريخ التَّالية: (الأربعين) يوم الثُّلاثاء 12 من شهر رمضان سنة 673 هـ، و(رياض الصَّالحين) في مدَّة آخرها: 28 من شهر رمضان سنة 674 ه، و(الأذكار) في مدَّة آخرها: يوم الثُّلاثاء 12 من شهر جمادى الأولى سنة 676 ه، وفي جميعها لم يرد الحديث إلَّا بهذا السِّياق.

ثمَّ وقفتُ على نسخة خطِّيَّة لكتاب (الأذكار) أُثبتت فيها الزِّيادة في الحاشية، ونُسبت إلى الإمام ابن العطَّار، حيث قال النَّاسخُ بعدها في الموضع الأوَّل:

(أَلحَقَهُ الشَّيخُ الإمام ابن العطَّار من كتاب التِّرمذي بعد وفاة المصنِّف، رحمة الله ورضوانه عليهم) ا.هـ.

وقال في الموضع الثَّاني:

(أَلحَقَ الشَّيخُ ابن العطَّار -رحمه الله- بعد موت الشَّيخ من التِّرمذي) ا.هـ.

الأذكار، مكتبة نور عثمانية، رقم (642) [183/ب]، [226/ب]

والجواب عن ذلك كالتَّالي:

أوَّلًا: لم أقف على هذا اللَّحق المنسوب للإمام ابن العطَّار إلَّا في هذه النُّسخة المتأخِّرة المنسوخة سنة 975 هـ التي تفرَّدت به، ولم يُذكر فيها الأصل المعتمد المقابل عليه.

ثانيًا: أنَّ هذا اللَّحق مخالفٌ لسائر النُّسخ الخطِّيَّة النَّفيسة المحفوظة للكتاب التي نسخها غير واحد خلال فترات زمنيَّة متفاوتة وقرأوها على الإمام ابن العطَّار وقابلوها بأصله المقروء على الإمام النَّووي، وجميعها فيها بلاغات أو إجازات بخطِّه.

الأذكار، مكتبة تشستربيتي، رقم (4962)، [227]، بخطِّ: الشَّيخ ابن الزَّمَلْكَانِي (727 هـ) سنة 695هـ

الأذكار، مكتبة تشستربيتي، رقم (3049)، [275/ب] بخطِّ: الشَّيخ الشهاب الميداني، سنة 706 هـ

 

الأذكار، مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524) [239/ب-240/أ]، بخطِّ الشَّيخ الجمال داود ابن العطَّار (المتوفَّى 752 هـ) سنة 712 هـ

ثالثًا: لو ثَبَتَ هذا اللَّحق عن الإمام ابن العطَّار، فحقُّه أن يُنبَّه عليه في الحاشية لا المتن، كما فعل النَّاسخ هنا.

***

وأختمُ بحاشية نفيسة لأحد أهل العلم وقفتُ عليها ضمن نسخة خطِّيَّة قيِّمة لكتاب (الأذكار) في الموضع نفسه، ردَّ فيها على إلحاق بعضهم لهذه الزِّيادة في المتن، فقال ما نصُّه -بعدما ساق الزِّيادة في الحاشية-:

(هذا أُلحِقَ بعد مَوتِ المصنِّف مِن كتاب التِّرمذي، فيُقرَأُ كما وَقَعَ، ويُنبَّه عليه) ا.هـ.

الأذكار، المكتبة الأزهريَّة خصوصية (116) عمومية (2302) مجاميع [133/ب]

نُسخت سنة 801 هـ، ومقابلة على عدَّة نُسخ

قلتُ: لله درُّه، وعلى الله أجره، فهذا من أهمِّ أصول التَّحقيق العلمي التي ينبغي مراعاتها والتزامها، وذلك بإثبات النُّصوص التُّراثيَّة كما وَقَعَتْ -خصوصًا في النُّسخ الخطِّيَّة النَّفيسة-، مع إمكانيَّة التَّنبيه في الحاشية.

ومن المؤسف حقًّا تجاسر جُلّ القائمين على طبعات: (بُستان العارفين)، و(الأذكار)، و(الأربعين)، و(رياض الصَّالحين) في مخالفة هذا الأصل، وذلك بإقحام هذه الزِّيادة في متونها -إلَّا مَن رحم ربِّي- مع عدم ورودها أصلًا في أيِّ نُسخةٍ خطِّيَّةٍ نفيسةٍ مُعتمدة، فإلى الله المشتكَى.

***

والخلاصة: أنَّ الإمام ابن الصَّلاح اختار لفظ (سُنن الإمام ابن ماجه)؛ لأنَّه أكثر مناسبة لمضمون الأحاديث الكُلِّيَّة، وعزاه إلى (سُنن الإمام التِّرمذي)؛ لأنَّه رواية أو من نُسخة مُعتمدة أُخرى غير الرِّواية أو النُّسخة المشهورة المتداولة، وحتَّى ينقل تصحيحه له، ومع أنَّ إسنادهما واحدٌ فقد فاتَهُ العزو إلى (سُنن الإمام ابن ماجه)، وتَبِعَهُ في ذلك الإمام النَّووي، ولو احتُمِلَ وجود سقطٍ فيه ففي العزو والتَّخريج لا المتن، ويُنبَّه عليه في الحاشية، وبهذا يرتفعُ الإشكال إن شاء الله.

هذا والله أعلم.

وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

----------------

[1] انظر: (التَّبيين في شرح الأربعين) (ص 144)، و(الفتح المبين بشرح الأربعين) (ص 488)، و(حاشية المدابغي على الفتح المبين) (ص 486)، (الفتوحات الرَّبَّانيَّة على الأذكار النَّواويَّة) (6/364-365).

[2] انظر: (حاشية المدابغي على الفتح المبين) (ص 486)، و(الفتوحات الرَّبَّانيَّة على الأذكار النَّواويَّة) (6/364).

الأحد، 29 أغسطس 2021

جزء فيه: خمسة أحاديث وقعت لمُسلم عاليةً بسندٍ واحدٍ أو الأحاديث الخمسة العوالي التي رواها مسلم في صحيحه - تخريج: الإمام المزي - بعنايتي

  

جزء فيه:

خمسة أحاديث وقعت لمُسلم عاليةً بسند واحد

أو

الأحاديث الخمسة العوالي التي رواها مسلم في صحيحه

تخريج: الإمام المِزِّي

بعنايتي






جزءٌ حديثيٌّ يُنشر لأوَّل مرَّة ضمن النَّشر الرَّقمي باعتماد معهد المخطوطات العربيَّة بالقاهرة بتحقيق محبِّكم:

للمشاهدة

للتحميل

أسأل الله تعالى أن ينفع به الإسلام والمسلمين ويجزي مخرِّجه وقارئه وناشره خير الجزاء

الأحد، 15 أغسطس 2021

المِنَحُ السَّماويَّة في الأَربعين حديثًا النَّواويَّة

 

المِنَحُ السَّماويَّة في الأَربعين حديثًا النَّواويَّة

بقلم: عبد الله بن محمَّد سعيد الحسيني

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فبين أيدينا كتابٌ جليلٌ مُباركٌ نافعٌ، عظمت منزلتهُ، وارتفعت رتبتهُ، ببركة حُسن نيَّة مُصنِّفِهِ شيخ الإسلام أبي زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مِرَى الحِزَامي النَّووي الدِّمشقي (631 هـ-676 هـ) -رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً-، فتوالت به العناية، وتتابعت عليه الرِّعاية، حتَّى بات مَن حفظه واستظهره، وشرحَهُ قديمًا وحديثًا وقرَّره، أكثر من أن يُحصَر، وأشهر من أن يُذكَر.

وأردتُ أن أحظى بسهمٍ متواضعٍ في ذلك بتقييد جملةٍ من الفرائد المتَّصلة به من حيث: مراحل جمع الإمام لأحاديث الكتاب، وعنوانه الصَّحيح، وتاريخ تصنيفه، وموضوعه ومنهجه، ومصادره الحديثيَّة وشيوخه فيها، وترغيبه فيه وإحالته عليه، وعنايته بإقرائه والإجازة الخاصَّة فيه، وختمتُهُ بأنفس نسخه الخطِّيَّة التي وقفتُ عليها.

وعلى الله الكريم توكُّلي واعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنِّعمة، وبه التَّوفيق والعصمة.

أوَّلًا: مراحل جمع أحاديث الكتاب:

        جَمَعَ الإمامُ النَّوويُّ أحاديث الكتاب على مراحل أربع:

        المرحلة الأُولى: بَدَأَ في جَمْع الأحاديث التي عليها مدار الإٍسلام في أوَّل شرحه الكبير لصحيح الإمام البخاري، وأشار إلى ذلك في أوَّل كتابه (المجموع المبسوط) [5/ب]، فقال -أثنائه كلامه عن حديث: (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات)-:

        (وهو أحد الأحاديثُ التي عليها مدارُ الإِسلام، وقد جمعتُها مُنقَّحة في أوَّل شرح صحيح البُخاري الذي شرعتُ في جَمْعِهِ، أسألُ الله الكريم إتمامَهُ على أحسن الوجوه) ا.هـ.

الجزء الأوَّل من المجموع المبسوط في شرح المهذَّب، مكتبة آيا صوفيا، رقم (1295) [5/ب]

        المرحلة الثَّانية: ساق فيها (مجلس الأحاديث الكُلِّيَّة) البالغة عددها (26) حديثًا [1] للإمام ابن الصَّلاح (المتوفَّى 643 هـ)، وأضاف عليها ثلاثة أحاديث[2]، فصار مجموعها (29) حديثًا، وذلك في أوَّل كتابه (بُستان العارفين) (ص 73-91)، وغيره، فقال:

(وممَّا ينبغي الاعتناءُ به: بيانُ الأحاديث التي قيل: إنَّها أصول الإسلام، أو أصول الدِّين، أو عليها مدار الإسلام، أو مدار الفقه، أو العلم، فنذكرُها في هذا الموضع؛ لأنَّ أحدها حديث (الأعمال بالنِّيَّة)، ولأنَّها مهمَّة، فينبغي أن تُقدَّم، وقد اختلف العلماء في عددها اختلافًا كثيرًا، وقد اجتهَدَ في جمعها وتبيينها الشَّيخُ الإمامُ الحافظُ أبو عَمرو عثمان بن عبد الرَّحمن المعروف بابن الصَّلاح رحمه الله تعالى، ولا مزيد على تحقيقه وإتقانه، فأنا أنقلُ ما ذَكَرَهُ رحمه الله مختصرًا، وأضمُّ إليه ما تيسَّر ممَّا لم يذكره)، -فتحدَّث عن أهميَّة عزو الفوائد لأصحابها، وبركة ذلك، ثمَّ قال:- (قال الشَّيخُ أبو عَمرو رحمه الله بعد أن حَكَى أقوال الأئمَّة في تعيين الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلافهم في أعيانها وعددها، فبلغت ستَّة وعشرين حديثًا) -فساقها جميعًا، ثمَّ قال:- (فهذه الأحاديثُ التي ذكرها الشَّيخُ أبو عَمرو بن الصَّلاح رحمه الله تعالى، وممَّا هو في معناها أحاديث) ا.هـ فذكر ما أضافه.


بستان العارفين، مكتبة راشد أفندي، رقم (348) [15/ب]، [18/ب]

        المرحلة الثَّالثة: ساق فيها (29) حديثًا السَّابقة، مع تقديم وتأخير يسير، وأضاف عليها حديثًا واحدًا [3]، فصار مجموعها (30) حديثًا، وذلك في آخر كتابه (الأذكار) (ص 652-662)، فقال:

        (وقد رأيتُ أن أَضُمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء الله تعالى، وهي الأحاديثُ التي عليها مدارُ الإِسلام [4]، وقد اختلفَ العلماءُ فيها اختلافًا منتشرًا، وقد اجتَمَعَ مِن تداخُل أقوالهم مع ما ضَمَمتُهُ إليها ثلاثون حديثًا) ا.هـ، فساقها.

الأذكار، مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524) [237/ب]

المرحلة الرَّابعة: ساق فيها (30) حديثًا السَّابقة، وأضاف عليها (12) حديثًا[5]، وأعاد ترتيبها، فصار مجموعها (42) حديثًا، وأفردها في كتابٍ مستقلٍّ.

وبهذا صار مجموع ما أضافه (16) حديثًا، وهي: (20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 42).

ثانيًا: العنوان الصَّحيح للكتاب:

سمَّى الإمام النَّووي كتابه بـ: (الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام)، كما نصَّ على ذلك في كتابه (التَّلخيص شرح الجامع الصَّحيح للبخاري) (ص 461)، فقال – أثناء حديثه عن (بُني الإسلام على خمس) -:

(وقد أَدخلتُهُ في كتاب: «الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام«، وهو حقيقٌ بذلك) ا.هـ.

التلخيص، مكتبة قليج علي باشا، رقم (243) [49/أ]

وجاء بهذا الاسم في نسختَين مقروءتَين على تلميذه الإمام العلَّامة أبي الحسن علاء الدِّين علي إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي (المتوفَّى 724 هـ).

الأربعين، مكتبة المسجد الأقصى، رقم (62) (ف 95) [27/أ]

الأربعين، المكتبة اليعقوبيَّة العباسيَّة الخاصة [ص 187]

ويُسمِّيه المصنِّف بـ: (كتاب أو جزء الأربعين)، اختصارًا في مواضع، كما سيأتي.

وأمَّا العناوين الأخرى للكتاب، مثل: (الأربعين النَّوويَّة)، و(الأربعين من الأحاديث النَّبويَّة من كلام خير البريَّة عليه الصَّلاة والسَّلام في قواعد الإسلام ووجوه الأحكام)، ونحوها، فهي من اجتهادات بعض النُّسَّاخ والنَّاشرين.

ثالثًا: تاريخ تصنيف الكتاب:

فرغ من تصنيفه: ليلة الخميس 29 من شهر جمادى الأولى 668 ه، وعمره وقتها 37 عامًا.

قال الإمام النَّووي:

(فرغتُ منه: ليلة الخميس التَّاسع والعشرين من جمادى الأُولى سنة ثمان وستين وستمائة) ا.هـ.

الأربعين، مكتبة مسجد الأقصى [35/أ]

رابعًا: موضوع الكتاب، ومنهج الإمام النَّووي فيه:

بيَّن ذلك الإمام النَّووي في مقدِّمة كتابه أتمَّ بيان، فقال (ص 96-97):

(ثمَّ مِن العلماء من جَمَعَ الأربعين في أصول الدِّين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزُّهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخُطَب، وكلُّها مقاصدُ صالحة رضي الله عن قاصِديها.

وقد رأيتُ جمعَ أربعين أهمَّ من هذا كلِّه، وهي أربعون حديثًا مشتملةً على جميع ذلك، وكلُّ حديثٍ منها قاعدةٌ عظيمةٌ من قواعد الدِّين، قد وَصَفَهُ العلماء بأنَّ مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، ونحو ذلك.

ثمَّ ألتزمُ في هذه الأربعين أن تكون صحيحةً، ومعظمها في صحيحَي البخاري ومسلم، وأذكرُها محذوفة الأسانيد؛ ليسهُلَ حفظها، ويَعُمَّ الانتفاع بها إن شاء الله تعالى، ثمَّ أُتبعها ببابٍ في ضبط خفيِّ ألفاظها [6]) ا.هـ.

الأربعين، مكتبة مسجد الأقصى [28/أ]

الأربعين، المكتبة اليعقوبيَّة العباسيَّة الخاصة [ص 189-190]

خامسًا: المصادر الحديثيَّة للكتاب، وشيوخ الإمام النَّووي فيها:

        اعتمد الإمام النَّووي في الكتاب على أمَّهات المصادر الحديثيَّة المشهورة، وجميعها من مسموعاته على شيوخه، ويرويها بأسانيده المتَّصلة إليها، كما فصَّلتُ ذلك في بحثٍ مستقلٍّ بعنوان: (التَّحديث بأسانيد الإمام النَّوويِّ في كتابه الأربعين إلى رواة الحديث).

        ومصادر الكتاب هي كالتَّالي:

1-موطَّأ الإمام مالك بن أنس رواية أبي مصعب الزُّهري:

ذكره في الحديث رقم: (32)، وسمع الكتاب على الشَّيخ أبي إسحاق رضي الدِّين إبراهيم بن عمر بن مُضر بن محمَّد الواسطي (593 هـ - 664 هـ).

2-مسند الإمام أحمد بن حنبل:

ذكره في الحديث رقم: (27)، وسمع الكتاب سنة 658 هـ على الشَّيخ أبي محمَّد شرف الدِّين عبد العزيز بن محمَّد بن عبد المحسن بن محمَّد الأنصاري الدِّمشقي الحَمَوِي الشَّافعي (586 هـ - 662هـ).

3-مسند الإمام الدَّارِمي:

ذكره في الحديث رقم: (27)، وسمع الكتاب على أجلِّ شيوخه الشَّيخ أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682 هـ).

4-صحيح الإمام البخاري:

ذكره في الأحاديث المرقَّمة التَّالية: (1، 3، 4، 5، 6، 8، 9، 13، 14، 15، 16، 20، 26، 33، 37، 38، 40)، وسمع الكتاب على جماعة، منهم: الشَّيخ أبو محمَّد وأبو الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597هـ - 682هـ).

5-صحيح الإمام مسلم:

ذكره في الأحاديث المرقَّمة التَّالية: (1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 13، 14، 15، 17، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 27، 33، 34، 35، 36، 37)، وسمع الكتاب على الشَّيخ أبي إسحاق رضي الدِّين إبراهيم بن عمر بن مُضر بن محمَّد الواسطي (593 هـ-664 هـ)، بجامع دمشق.

6-سنن الإمام أبي داود السِّجِسْتاني:

ذكره في الحديث رقم: (28)، وسمع الكتاب على الشَّيخَين: أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682 هـ)، وأبي محمَّد تقي الدِّين إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر بن عبد الله التَّنُوخِي الدِّمشقي الشَّافعي (589 هـ - 672 هـ).

7-سنن الإمام التّرمذي:

ذكره في الأحاديث المرقَّمة التَّالية: (11، 12، 18، 19، 28، 29، 42)، وسمع الكتاب على الشَّيخ أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682 هـ).

8-سنن الإمام النَّسائي:

ذكره في الحديث رقم: (11)، وسمع الكتاب بقراءته على الشَّيخ أبي محمَّد تقي الدِّين إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر التَّنُوخي (589 هـ - 672 هـ).

9-سنن الإمام ابن ماجه:

ذكره في الأحاديث المرقَّمة التَّالية: (31، 32، 39)، وسمع الكتاب سنة 662 هـ على الشَّيخ أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597هـ - 682 هـ).

10-سنن الإمام الدَّارَقُطْني:

ذكره في الحديثَين المرقَّمَين التَّاليَين: (30، 32)، والكتاب من مسموعاته، كما نصَّ على ذلك تلميذه ابن العطَّار في (تُحفة الطَّالبين) (ص 60)، يسَّر الله تعالى الوقوف على شيخه فيه.

11-سنن الإمام البَيْهَقِي:

ذكره في الحديثَين المرقَّمَين التَّاليَين: (33، 39)، والكتاب من مسموعاته، كما نصَّ على ذلك تلميذه ابن العطَّار في (تُحفة الطَّالبين) (ص 60)، يسَّر الله تعالى الوقوف على شيخه فيه.

12-الحجَّة على تارك المحجَّة للإمام نصر المقدسي:

ذكره في الحديث رقم: (41)، وسمع الكتاب على الشَّيخ أبي محمَّد جمال الدِّين عبد الرَّحمن بن سالم بن يحيى الأَنْبَاري الدِّمشقي الحنبلي (المتوفَّى 661 هـ).

سادسًا: ترغيب الإمام النَّووي في الكتاب، وإحالته عليه:

رغَّب الإمام النَّووي في كتابه «الأربعين« في غير ما كتاب من كتبه المشهورة الأخرى، وأحال عليه؛ وذلك من باب التَّحدُّث بالنِّعمة المأمور به، وبذل النَّصيحة، والدّلالة على الفائدة في محلّها [7].

فقال في مقدِّمة كتابه (الأربعين) (ص 97):

(وينبغي لكلِّ راغبٍ في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث؛ لما اشتمَلَت عليه من المهمَّات، واحتوت عليه من التَّنبيه على جميع الطَّاعات، وذلك ظاهرٌ لمن تدبَّره)ا.هـ.

وقال في خاتمته (ص 131-132):

(فهذا آخر ما قصدتُهُ من بيان الأحاديث التي جَمعَت قواعد الإسلام، وتضمَّنت ما لا يُحصَى من أنواع العلوم في الأصول، والفروع، والآداب، وسائر وجوه الأحكام.

وها أنا أذكرُ بابا مختصرًا جدًّا في ضبط ألفاظها مرتَّبة؛ لئلا يغلط في شيء منها، وليستغني بها حافظها عن مراجعة غيره في ضبطها، ثم أشرعُ في شرحها إن شاء الله تعالى في كتابٍ مستقلٍّ، وأرجو من فضل الله تعالى أن يوفِّقني فيه لبيان مهمَّات من اللَّطائف، وجمل من الفوائد والمعارف، لا يستغني مسلم عن معرفة مثلها، ويظهر لمطالعها جزالة هذه الأحاديث، وعظم فضلها، وما اشتمَلت عليه من النَّفائس التي ذكرتُها، والمهمَّات التي وصفتُها، ويعلم بها الحكمة في اختيار هذه الأحاديث الأربعين، وأنَّها حقيقة بذلك عند النَّاظرين) ا.هـ.

وقال في (التَّلخيص) (ص 461):

(قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث الباب: (بُني الإسلام على خمس) إلى آخره، هو حديثٌ عظيمٌ من قواعد الإسلام، وجوامع الأحكام، وقد أدخلتُهُ في كتاب: «الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام«، وهو حقيقٌ بذلك) ا.هـ.

وقال في (المجموع) (1/16) -أثناء حديثه عن (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات)-:

(حديثٌ صحيحٌ، متَّفق على صحَّته، مجمعٌ على عظم موقعه وجلالته، وهو إحدى قواعد الإيمان، وأوَّل دعائمه، وآكد الأركان، قال الشَّافعي رحمه الله: يدخل هذا الحديث في سبعين بابًا من الفقه، وقال أيضًا: هو ثلث العلم، وكذا قاله أيضًا غيره، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عدِّها، فقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: اثنان، وقيل: حديث، وقد جَمعتُها كلّها في جزء الأربعين، فبلغت أربعين حديثًا، لا يَستغنِي مُتديِّنٌ عن معرفتها؛ لأنَّها كلّها صحيحة جامعة قواعد الإسلام في الأصول، والفروع، والزُّهد، والآداب، ومكارم الأخلاق، وغير ذلك) ا.هـ.

وقال (1/311) -أثناء حديثه عن (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات)-:

(هذا الحديث متَّفقٌ على صحَّته، رواه البخاري ومسلم في صحيحَيهما من رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، وهو حديثٌ عظيمٌ، أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، بل هو أعظمها، وهي أربعون حديثًا، قد جَمعتُها في جزء)ا.هـ.

وقال (3/294) -أثناء حديثه عن (وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم):

(هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة، وهو بعض حديث طويل، وهو حديثٌ عظيمٌ، كثير الفوائد، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد جَمعتُها في جزءٍ، فبلغت أربعين حديثًا) ا.هـ.

وقال (9/149-150) -أثناء حديثه عن (إنَّ الحلال بيِّن)-:

(رواه البخاري ومسلم من طُرق كثيرة، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف في عددها، وقد جَمعتُها في كتاب الأربعين) ا.هـ.

وقال في (منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشَيري) (6/466) -أثناء حديثه عن (إنَّ الله طيِّب لا يقبل إلَّا طيِّبًا)-:

(وهذا الحديثُ أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام ومباني الأحكام، وقد جَمعتُ منها أربعين حديثًا في جزء) ا.هـ.

وقال في (تهذيب الأسماء واللُّغات) (2/226):

(قال محمَّد بن صالح الهاشمي: قال لنا أبو داود: أقمتُ بطرسوس عشرين سنة، أكتبُ المسند، فكتبتُ أربعة آلاف حديث، ثمَّ نظرتُ، فإذا مدار الأربعة آلاف على أربعة أحاديث، لمن وفَّقه الله تعالى، فأوَّلها حديث (الحلال بيِّن والحرام بيِّن)، وثانيها حديث (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات)، وثالثها (إن الله طيِّب لا يقبل إلَّا طيِّبًا)، ورابعها (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، قلتُ: وقد قيل: مدار الإسلام على حديث (الدِّين النَّصيحة)، وقيل غير ذلك، وقد جَمعتُ كلّ ذلك في كتاب الأربعين) ا.هـ.

سابعًا: عناية الإمام النَّووي بإقراء الكتاب، والإجازة الخاصَّة فيه:

اعتنى الإمام النَّووي بإقراء كتابه «الأربعين« في مجالس القراءة والسَّماع، وسُمع منه، فأجاز فيه إجازة خاصَّة.

فممَّن وقفتُ على نصِّ إجازته لهم فيه [8]:

1-تلميذُه: ابن العطَّار، حيث قَرأَ عليه الكتاب في مجلسٍ واحدٍ، وذلك: يوم الثُّلاثاء 12 من شهر رمضان سنة 673 هـ بالمدرسة الرَّوَاحِيَّة بمدينة دمشق.

نصُّ الإجازة الخاصَّة

قَرَأَ عَلَيَّ جَميعَ هَذا الجُزء، صاحبُهُ، كاتبُهُ:

الفَقيهُ، الفاضلُ، المُحصِّلُ: علاءُ الدِّين، أبو الحَسن، عليّ بن إبراهيم بن داود الدِّمشقي، المعروف بابن العطَّار الشَّافعي، وفَّقهُ الله لطاعتهِ، وتَولَّاهُ بِكَرامتهِ، وزيَّنهُ بالتَّقوى، وجَمعَ لهُ خَيراتِ الآخرةِ والدُّنيا، قِراءةً مُجوَّدةً مُهذَّبةً، وأَنا مُقابل بنُسختي مَعهُ في مجلسٍ واحدٍ، يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وستّمائة بالمدرسة الرَّوَاحِيَّة بدمشق، حمَاهَا الله.

وأَجزتُ لَهُ رِواية كلِّ ما يجوزُ لي تَسميعُهُ.

كَتَبَهُ مؤلِّفُهُ:

يحيى بن شَرَف بن مِرَا بن حَسن بن حُسين بن محمد بن حِزام النَّواوي، عفا الله عنه، في التَّاريخِ المذكورِ.

والحمدُ لله ربِّ العَالمين.

اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ، وسلَّم.

الأربعين، مكتبة مسجد الأقصى [35/أ]

برنامج الوادي آشي، مكتبة الإسكوريال، رقم (1726) [107/ب-108/أ]

2-تلميذُه: علي بن محمَّد اليَمَني، حيث قَرأَ عليه الكتاب في مجلسَين، آخرهما: يوم الأربعاء 24 من شهر شعبان سنة 674 هـ بمدينة دمشق.

قال الشَّمس السَّخاوي في (المنهل العذب الرَّوي) (ص 127) وهو يعدِّد الآخذين عنه:

(وأبو الحسن علي بن محمَّد بن موفَّق بن ‌منصور اليَمَني الشَّافعي، وممَّا قَرَأَ عليه: "الأربعون" له، في مجلسَين، ثانيهما: يوم الأربعاء رابع عشري شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة بدمشق، وقال الشَّيخ فيما كَتَبَهُ له بخطِّه: "سمع عليَّ هذا الجزء، صاحبُهُ الفقيهُ الصَّالحُ، المُعتني: -فلان- أدام الله توفيقه، ولطف به في جميع أموره، وبارك الله في أحواله، فسمعَهُ بقراءته وأنا ممسك أصلي لمقابلته") ا.هـ.

ثامنًا: من أنفس النُّسخ الخطِّيَّة للكتاب:

الأُولى: نسخةٌ نفيسةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس-حرَّرها الله وحرسها- رقم (62) (ف 95)، ضمن مجموع، من [27/أ] إلى [35/أ] في (9) أوراق، كتبها: الشَّيخ الفقيه أبو محمَّد مجد الدِّين عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقِي الواسطي، وفرغ منها: في 3 رمضان سنة 706 هـ، وقرأها على شيخه ابن العطَّار في مجلسٍ واحدٍ في 14 من شهر رمضان سنة 706 هـ، وقابلها معه بأصله المسموع على الإمام النَّووي، وأجازه بجميع ما يجوز له روايته.

الثَّانية: نسخةٌ نفيسةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في المكتبة اليعقوبيَّة العبَّاسيَّة بمدينة المنامة من (ص 187 إلى 208) في (11) ورقة، كتبها: الشَّيخ العالم أبو عبد الله شمس الدِّين محمَّد بن سُليمان بن داود ابن الجوهري (المتوفَّى بعد 718 هـ)، وفرغ منها: في منتصف شهر ذي القعدة سنة 710 هـ، وقرأها على شيخه ابن العطَّار، وقابلها معه بأصله المسموع على الإمام النَّووي، وأجازه.

 

هذا والله أعلم.

وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

-------------

[1] وهذه أرقامها في كتاب الأربعين: (1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33).

[2] وهذه أرقامها في كتاب الأربعين: (20، 21، 22)، ومن عناية الله تعالى بمصنَّفات الإمام النَّووي حتَّى في مراحلها الأُولى: أنَّه اعتُني بهذا الجمع المذكور في مرحلته الثَّانية قراءةً وإجازةً، فهذا قيد سماع لهذه الأحاديث بخطِّ الإمام عمر بن علي ابن الملقِّن من لفظ شيخه زين الدِّين أبي بكر بن قاسم الرَّحبي سنة 741 هـ بحقِّ إجازته من جامعها.

المجاميع العمرية، رقم (56) [6/ب، 7/أ]

[3] وهذا رقمه في كتاب الأربعين: (24).

[4] أُلحقِت هنا زيادة، وهي: (وقد جمعتُها في أوَّل كتاب الزُّهد الذي جمعتُه، وجمعتُها في غيره مبسوطةً، وأنا أشيرُ إليها هُنا)، وقد تفرَّدت بها بعض النُّسخ الخطِّيَّةٍ لكتاب (الأذكار) -كالنُّسختَين المحفوظتَين في المكتبة المحموديَّة بالمدينة المنوَّرة رقم (1707) [145/أ] المنسوخة سنة 725 هـ، والأخرى [172/أ] المنسوخة سنة 747 هـ، والنُّسخة المحفوظة في مكتبة نور عثمانية، رقم (644) [223/أ] المنسوخة سنة 743 هـ المقابلة على نسخة قُوبلت على أصل المصنِّف بخطِّه، وغيرها-، ولم أقف عليها في أغلب النُّسخ وأشهرها وأنفسها، والذي يظهر لي أنَّ المصنِّف أثبتها في بادئ الأمر ثمَّ ضرب عليها بعد ذلك، فنَسَخَ الكتابَ قومٌ -على رأسهم: تلميذه النَّجيب ابن العطَّار وراوية كتبه الذي سمعه عليه قبل وفاته بشهرين ونصف تقريبًا وقابل نسخته معه وأجازه- عَلِموا المضروب عليه من النَّص فاستبعدوه أو أثبتوه كما هو مع تمييزه برمز الضَّرب، بينما نَسَخَهُ آخرون دون تمييز لبعض المضروب عليه من غيره، ومن أبرز الدَّلائل على ذلك: نسخة خطِّيَّة نفيسة منه محفوظة في المكتبة الأزهريَّة خصوصية (116) عمومية (2302) مجاميع [132/ب] ومنسوخة سنة 801 هـ، اعتنَى ناسخها عناية خاصَّة بمقابلتها على عدَّة نُسخ، وأَثبَتَ فيها مواضع الفروق والمضروب عليها مع الإشارة إلى ذلك، ومنها هذا الموضع، والله أعلم.

[5] وهذه أرقامها في كتاب الأربعين: (20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 42).

[6] ويظهر بهذا النَّصِّ الصَّريح خطأ بعض الطَّبعات التي حذفت هذا الباب، وهو جزءٌ لا يتجزَّأ من الكتاب يقينًا؛ لوجوده في النُّسختَين النَّفيستَين المقروءتَين على العلامة ابن العطَّار المقابلتَين على نسخته المقروءة على المصنِّف، وتبدو فيه عاداته في تصانيفه كالعناية بضبط الألفاظ، والإحالة عليها كما أحال هنا على شرحه لمسلم في موضعَين، وإنَّما جعله منفصلًا في آخر الكتاب حتى يسهل حفظ الأحاديث على انفرادها، وهذا التَّنبيه حثَّني عليه أخي فضيلة الشَّيخ محمَّد الأحمد جزاه الله خير الجزاء.

[7] قال الإمام النَّووي في مقدّمة كتابه (بستان العارفين) (ص ٦٣): (وربَّما أحلتُهُ على كتاب صنَّفتُهُ أنا، ولا أقصدُ بذلك إن شاء الله تعالى التَّبجُّح والافتخار، ولا إظهار المصنَّفات والاستكثار، بل الإرشاد إلى الخير والإشارة إليه، وبيان مظنَّته والدَّلالة عليه، وإنَّما نبَّهتُ على هذه الدَّقيقة؛ لأنِّي رأيتُ من النَّاس من يَعيبُ سالك هذه الطَّريقة؛ وذلك لجهالته وسوء ظنِّه وفساده، أو لحسده وقصوره وعناده، فأردتُ أن يتقرَّر هذا المعنى في ذهن مطالع هذا التَّصنيف؛ ليطهِّر نفسه من الظَّنِّ الفاسد والتَّعنيف، وأسأل الله الكريم توفيقي لحسن النِّيَّات، والإعانة على جميع أنواع الطَّاعات، وتيسيرها والهداية لها دائمًا في ازدياد حتَّى الممات) ا.هـ، وقد اقترح عليَّ شيخنا الجليل المحقِّق د. عبد الحكيم الأنيس حفظه الله ورعاه إفراد بحثٍ مستقلٍّ عن المؤلَّفات التي ذكرها الإمام النَّووي لنفسه وأحال عليها، وشرعتُ فيه، يسَّر الله تعالى إتمامه على خير.

[8] أمَّا طبقة السَّماع لكتاب (الأربعين) المحفوظة بخطِّ الإمام النَّووي في خزانة الشَّيخ أبي اليسر عابدين بمدينة دمشق، وعنها صورةٌ في كتاب (الأعلام) (8/150) للأستاذ الزِّرِكْلي، وعنه في كتاب (الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام) (ص 79) بعناية شيخنا المحقِّق نظام محمد صالح يعقوبي العبَّاسي، فليست لهذا الكتاب يقينًا، إنَّما هي لـ: (جزء الأربعين حديثًا) لأبي القاسم زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي (المتوفَّى بعد 400 هـ)، كما نصَّ على ذلك: الحافظ ابن طُولون الدِّمشقي الصَّالحي (المتوفَّى 953 هـ) في (ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر) (2/685) ضمن ما وقف عليه من خطوط الأئمَّة، والشَّيخ عبد الرَّحيم بن مصطفى الصَّيرفي في نسخة بخطِّه لأربعين الهاشمي -محفوظة في مكتبة لاله لي رقم (3767) [31/ب]- نَقَلَها من النُّسخة التي عليها خطُّ الإمام النَّووي.