ما حكم قول بعض النَّاس : (جمعة مباركة) ؟!
بقلم : عبد الله الحسيني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
ومن والاه ، وبعد :
فمن العبارات المتداولة بين النَّاس قول بعضهم لبعض في ليلة الجُمعة ويومها: (جُمعة مباركة)، ونحوها، وينبغي التَّفصيل فيها على النَّحو التالي :
1-إما أن يقولها المسلم عادةً :
فهي
عادةٌ حسنةٌ محمودةٌ ، كقولنا : (صبحكم أو مساكم الله بالخير) ،
وهي تعزِّز روح المحبة والمودة والألفة والسلام في ربوع المجتمع الإسلامي ،
ولا يُختلف في أن هذا التعزيز مطلبٌ شرعيٌّ ، والأصل في العادات الإباحة ، كما هو
مقرَّر في موضعه .
2-وإما أن يقولها المسلم عبادةً :
أ-فإن
قيلت على سبيل الإخبار والتَّذكير ببركة هذا اليوم ، فهذا المقصد ينبغي ألا يُختلف
في جوازه ، قال الله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : 55] ، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرًا
ما يجدِّد الحديث عن مواسم الخيرات ، إخبارًا بعظيم فضلها ، وتذكيرًا لإدراك
بركتها ، وترغيبًا في التعرّض لنفحاتها .
ب-وإن
قيلت على سبيل الدُّعاء والتَّهنئة ، فهنا محل النِّزاع .
والذي
يظهر أنَّه لا حرج فيها إن شاء الله ، لعدة اعتبارات :
أولًا
: أن يوم الجمعة له فضائل ومزايا وخصوصية
على سائر أيام الأسبوع ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (خَيْرُ يَوْمٍ
طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) [أخرجه مسلم في صحيحه (854)] .
قال
الإمام النَّووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم (6/142) :
(في هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ، ومزيته على سائر الأيام) ا.هـ
(في هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ، ومزيته على سائر الأيام) ا.هـ
ثانيًا
: أن في يوم الجمعة ساعة مباركة
يُستجاب فيها الدُّعاء ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فَقَالَ : (فِيهِ سَاعَةٌ ، لاَ
يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، يَسْأَلُ اللَّهَ
تَعَالَى شَيْئًا ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) [متَّفق عليه : البخاري (935) ،
ومسلم (852)] .
قال
الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في فتح الباري (2/422) :
(فيه فضل الدعاء ، واستحباب الإكثار منه) ا.هـ
(فيه فضل الدعاء ، واستحباب الإكثار منه) ا.هـ
ثالثًا
: أن يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين
، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ ، جَعَلَهُ
اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ ،
وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ) [رواه ابن
ماجه في سننه (1098) ، وحسَّنه الألباني] ، وقد ثبتت الأدعية والتهاني في العيدين
عن السَّلف الصالح .
ولهذه
المسألة نظائر ، مثل قول بعضهم بعد الصلاة (تقبَّل الله منا ومنك) ، فقد أفتى فيها فضيلة الشَّيخ ابن باز رحمه الله تعالى
في فتاوى نور على الدرب (9/220-221) بما نصُّه :
(لا
حرج في ذلك إذا قال لأخيه : (تقبَّل الله منا ومنك) ، بعد الصلاة ، أو عند الخروج
من المسجد ، أو عند اللقاء من صلاة الجنازة ، أو من اتباع الجنائز ، أو من صلاة
الجمعة ، كل هذا خيرٌ إن شاء الله ، لا حرج في ذلك ، فالمسلم يدعو لأخيه بالقبول
والمغفرة) ا.هـ
وقال رحمه الله تعالى أيضًا في مجموع الفتاوى (13/25) :
(لا
حرج أن يقول المسلم لأخيه في يوم العيد أو غيره : (تقبَّل الله منا ومنك أعمالنا
الصالحة) ، ولا أعلم في هذا شيئًا منصوصًا ، وإنما يدعو المؤمن لأخيه بالدعوات
الطيبة ؛ لأدلة كثيرة وردت في ذلك) ا.هـ
فالمسألة اجتهاديَّة لا يُشدَّد فيها ، والله أعلم
بالصَّواب .
والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق