نَضْدُ الجُمان في إجازات
الإمام النَّوويِّ لأهل الزَّمان
بقلم: عبد الله بن محمَّد سعيد الحسيني
الحمد
لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فالإجازة
من طُرق التَّحمُّل والأداء التي تعني الإذن بالرِّواية لفظًا أو كتابةً، ولها أنواع
عديدة، منها:
1-أن يُجيز الشَّيخُ مُعيَّنًا لمُعَيَّن: كأن
يقول: أجزتُ فلان بن فلان في الكتاب الفُلاني.
2-أن يُجيز الشَّيخُ مُعيَّنًا في غير مُعَيَّن:
كأن يقول: أجزتُ فلان بن فلان في جميع مسموعاتي ومرويَّاتي.
3-أن يُجيز الشَّيخُ لغير مُعيَّن بوصف
العُموم: كأن يقول: أجزتُ المسلمين، أو كلَّ أحد، أو مَن أدرك زماني وعصري، وما
أشبه ذلك.
وقد
عَمِلَ الإمامُ أبو زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مِرَى النَّوويُّ
الدِّمشقيُّ (631 هـ-676 هـ) -تغمَّده الله بواسع رحمته- بالنَّوعَين الأوَّلَين،
وجمعتُهما في دراسةٍ مستقلَّةٍ بعنوان: (تشنِيف
الأسماع بما كَتبهُ الإمامُ النَّوويُّ لتلاميذه من طباق السَّماع).
وأمَّا النَّوع الثَّالث، فقد ذَهبَ
الإمام النَّوويُّ إلى أنَّ الأصحّ جوازه، فقال [1]:
(الثَّالث: أن يُجيز لغير معيَّن بوصف العُموم:
كأجزتُ المسلمين، أو كلَّ أحد، أو من أدرك زماني، ونحوه، فالأصحُّ أيضًا جوازها،
وبه قطع القاضي أبو الطَّيِّب، وصاحبه الخطيب البغدادي، وغيرُهما من أصحابنا،
وغيرهم من الحفَّاظ، ونقل الحافظ أبو بكر الحازمي المتأخِّر من أصحابنا أنَّ الذين
أدركهم من الحفَّاظ كانوا يميلون إلى جوازها) ا.هـ.
روضة الطالبين، مكتبة أيا صوفيا، رقم (1195) [127/ب]
وذَكَرَ الحافظُ السَّخاويُّ
عَمَلَ الإمام النَّوويِّ به في بعض تصانيفه، ورواية بعضهم عنه بهذا النَّوع، فقال
[2]:
(وولدُهُ الوليُّ العراقي حدَّثَ عن اثنين من شُيُوخِهِ ممَّن دَخَلَ
في عُموم إجازة النَّوويِّ، وهو أعني: النَّووي رحمه الله ممَّن صحَّح جوازها في
زيادات الرَّوضة -فنقل الكلام أعلاه-، وصحَّحه أيضًا في غير الرَّوضة من تصانيفه).
ثمَّ قال:
(وعَمِلَ بها النَّوويُّ،
فإنَّه قال -كما قرأتُهُ بخطِّهِ- في آخر بعض تصانيفه: وأجزتُ روايته لجميع المسلمين)
ا.هـ.
وصرَّح بالتَّصنيف المقصود هذا
في كتابٍ آخر، فقال [3]:
(وكان فراغُهُ من الأذكار -كما رأيتُهُ
بنسخةٍ مقروءةٍ عليه- في المحرَّم سنة سبع وستين وستمائة، قال: سوى أحرف ألحقتُها،
قال: وأجزتُ روايته لجميع المسلمين، انتهى) ا.هـ.
(المنهل
العذب الرَّوي) بخطِّ مصنِّفه الحافظ السَّخاوي، خزانة الشَّيخ زهير الشَّاويش،
رقم (169) [20-21]
وقد وفَّقني الله تعالى لتتبُّع
عدَّة تصانيف للإمام النَّووي أَجازَ فيها عموم المسلمين من أهل عصره وزمانه، وتظهرُ
في ثنايا تلك الإجازات الجليلة جُملة من عاداته النَّبيلة، ألخِّصها فيما يلي:
1-أنَّه يُجيز عموم المسلمين من أهل
زمانه في فنون العلم المختلفة، كالحديث الشَّريف وعلومه: (إرشاد طلَّاب الحقائق إلى معرفة سنن سيِّد الخلائق صلَّى الله عليه وسلَّم،
والإشارات إلى أسماء المبهمات، ومنهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح
صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري)، والرَّقائق والأذكار
والآداب: (التَّرخيص في
الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزيَّة من أهل الإسلام على جهة البر والتَّوقير
والاحترام لا على جهة الرِّياء والإعظام، ومختصر التِّبيان في آداب حملة القرآن، وحلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص
الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار)، واللُّغة: (التَّحرير في ألفاظ التَّنبيه).
2-أنَّه يُجيز عموم المسلمين
من أهل عصره، ويخصُّ بالإجازة أحيانًا -في الموضع نفسه- المشتغلين ببعض فنون
العلم، كما في (إرشاد
طلَّاب الحقائق إلى معرفة سنن سيِّد الخلائق صلَّى
الله عليه وسلَّم).
3-أنَّه يُجيز المسلمين
عامَّة من أهل عصره لفظًا وكتابةً، كما في (إرشاد طلَّاب الحقائق
إلى معرفة سنن سيِّد الخلائق صلَّى الله عليه وسلَّم)، و(التَّرخيص في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزيَّة
من أهل الإسلام على جهة البر والتَّوقير والاحترام لا على جهة الرِّياء والإعظام).
4-أنَّه يُجيز المسلمين
عامَّة من أهل عصره مع فراغه من بعض تصانيفه، كما في (حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات
والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار)، و(الإشارات إلى أسماء المبهمات)، و(التَّحرير في ألفاظ التَّنبيه)، و(منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين
في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري)،
ويُجيز بعد فراغه بفترة
في أُخرى، كما في (إرشاد
طلَّاب الحقائق إلى معرفة سنن سيِّد الخلائق صلَّى
الله عليه وسلَّم)، و(التَّرخيص
في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزيَّة من أهل الإسلام على جهة البر والتَّوقير
والاحترام لا على جهة الرِّياء والإعظام)، و(مختصر
التِّبيان في آداب حملة القرآن).
فدُونك إجازات الإمام النَّوويِّ في مصنَّفاته لأهل زمانه وعصره بنُصوصها منضودةً مرتَّبةً زمنيًّا:
1-«إرشاد طلَّاب الحقائق إلى معرفة سنن
سيِّد الخلائق صلَّى الله عليه وسلَّم» المعروف اختصارًا بـ:«الإرشاد»:
قال
الإمام النَّووي:
(فرغتُ منه:
الظُّهر يوم السَّبت حادي عشر من شهر رمضان سنة ثلاث وستِّين
وستمائة بالمدرسة الرَّواحيَّة بدمشق، حماها الله وصانها وسائر بلاد الإسلام.
أجزتُ رواية هذا الكتاب عنِّي لجميع المسلمين.
أجزتُ روايته لجميع المشتغلين بعلم الحديث أو سماعه.
أجزتُ روايته لجميع المشتغلين بالفقه من الطَّوائف.
كتبَهُ، مصنِّفُهُ:
يحيى بن شرف النَّواوي، وتلفَّظ بالإجازة، عفا الله عنه.
وذلك يوم الخميس الثَّاني والعشرين من شعبان سنة خمس وستين وستمائة)
ا.هـ.
التَّقريب والتَّيسير، مكتبة تشستربيتي، رقم (3271) [38/أ]
2-«التَّرخيص في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزيَّة من أهل الإسلام
على جهة البر والتَّوقير والاحترام لا على جهة الرِّياء والإعظام»:
قال الإمام النَّووي:
(فرغتُ من جمعه:
آخر يوم السَّبت الثَّاني والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وستين
وستمائة.
أجزتُ رواية هذا
الكتاب لأهل زماني.
كتبَهُ، مصنِّفُهُ:
يحيى النَّووي، عفا الله عنه.
يوم الثُّلاثاء الثَّاني من ذي القعدة سنة خمس وستين وستمائة.
وتلفَّظ بالإجازة) ا.هـ.
التَّرخيص،
المكتبة البديرية، رقم (249) [82/ب]
الترخيص، المكتبة الظاهرية، رقم (6704)
3-«مختصر التِّبيان في آداب حملة القرآن»:
قال
الإمام النَّووي:
(ابتدأتُ فيه:
يوم
الخميس الثَّالث من شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وستمائة.
وفرغتُ
من تصنيفه:
ليلة الثلاثاء الثَّامن من شهر
ربيع الآخر سنة ست وستين وستمائة).
ثمَّ قال:
(أجزتُ روايته لجميع المسلمين.
كَتَبَ
هذه الإجازة:
في
رابع عشرين رجب المبارك سنة ست وستين وستمائة)ا.هـ.
مختصر التبيان، مكتبة مسجد الأقصى، رقم (847) [17/ب]
قال الإمام النَّووي:
(فرغتُ من جمعه:
في المحرَّم سنة
سبع وستين وستمائة، سوى أحرف ألحقتها بعد ذلك.
وأجزتُ روايته
لجميع المسلمين) ا.هـ.
الأذكار، مكتبة عاطف أفندي، رقم
(1524) [242/ب]
5-«الإشارات إلى أسماء المبهمات»:
قال الإمام النَّووي:
(فرغتُ من هذا
الكتاب:
ليلة الأربعاء
العشرين من شعبان سنة سبع وستين وستمائة.
وأجزتُ روايته
لجميع المسلمين) ا.هـ.
الإشارات، مكتبة
مسجد الأقصى، رقم (62) (ف 95) [26/أ]
6-«التَّحرير في ألفاظ التَّنبيه»:
قال الإمام
النَّووي:
(فرغتُ منه:
يوم الأربعاء
الخامس والعشرين من ذي الحجَّة سنة إحدى وسبعين وستمائة.
أجزتُ روايته لجميع
المسلمين) ا.هـ.
مكتبة الأحقاف،
رقم (184)
7-«منهاج
المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج
القُشيري»:
قال الإمام النَّووي:
(فرغتُ منه:
أوَّل يوم الاثنين
الثَّالث والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وسبعين وستمائة.
وأجزتُ روايته
لجميع المسلمين) ا.هـ.
الجزء
الرَّابع من منهاج المحدِّثين، مكتبة آيا صوفيا، رقم (700) [255/ب]
هذا والله أعلم.
وصلَّى الله على نبيِّنا
محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
--------------
[1] (روضة الطَّالبين)
(11/158)، وانظر: (إرشاد طلاب الحقائق) (1/373-377)، و(التَّقريب والتَّيسير)
(ص 59).
[2] (فتح
المغيث) (2/414-415).
[3] (المنهل العذب
الرَّوي) (ص 74).
[4] جاء في
نسخة محفوظة منه بمكتبة جامعة تورنتو بكندا ما نصُّه: (وأجزتُ روايته [لمن قرأه عليَّ أو سمعه و] لجميع المسلمين) ا.هـ، بزيادة ما بين المعقوفتين، ثمَّ قال النَّاسخ: (كذا وجدت على
نسخة عليها خطُّ المؤلِّف) ا.هـ، ويظهر لي أنَّها مُقحمة وهمًا في كلام الإمام النَّووي؛ لأنَّ
النُّسخة تفرَّدت بها من بين سائر نُسخهِ النَّفيسة المتقدِّمة، وتخالف عاداته
المعروفة، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق